قال تعالى (( ألهاكم التكاثر )) أي الإكثار من الأولاد أو التفاخر بالكثرة في الأموال والأولاد والأنساب شغلكم عن يوم العرض والمآب والمعاد
(( حتى زرتم المقابر)) وفارقتم الأصحاب والأحباب وصرتم مرتهنين بين أطباق الثرى إلى يوم الحساب
((كلا)) أي ارتدعوا وانزجروا عن التفاخر والتكاثر (( سوف تعلمون )) بعد هذا إذا وردتم المقابر واتاكم ما توعدون من رب العالمين
(( ثم كلا سوف تعلمون )) إذا قامت القيامة بدواهيها وانشقت السماء ونزل من فيها ووضعت الأرض ما في بطنها وذهلت المراضع عن أولادها وشابت الولدان من أهوالها ودنت الشمس من الرؤوس وزيد في حرها
(( كلا )) زيادة تأكيد للزجر (( لو تعلمون )) أيها الناس
(( علم اليقين )) ما لكم عند الله وما عليكم إذا بلغت القلوب الحناجر ونشر ديوان العمل لا يغادر صغيرة ولا كبيرة أي لو تعلمون ذلك علم اليقين لشغلكم عن التكاثر فكيف بكم إذا نصبت الموازين ونشرت الدواوين وتعلق المظلومين بالظالمين ونزلت الملائكة الكرام وقام الروح الأمين والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من إذن له الرحمن وطال عليهم الوقوف
واقسم سبحانه وتعالى فقال (( لترون الجحيم )) في ديار القبور لأنه يعرض على كل ادمي مقعده في النار فأن كان سعيدا عرض عليه وبشر بزواله وان كان شقيا عرض عليه وقرر له
(( ثم لترونها عين اليقين )) إذا جاءت تقودها ملائكة غلاظ شداد تكاد تميز من الغيظ على أهلها وقد مد الصراط على متنها وانتم تسمعون حسيسها وتعاينون أهوالها وتنظرون أهلها فبين مناد من قعرها وبين مناد من أطباقها وبين متعلق بسلاسلها وكلاليبها ويقال لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد
(( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم )) جميع ما تلذذتم به في دار الدنيا .
تأملوا أحبتي في الله ما في هذا من الاعتبار العجيب لما فيه من الزجر والنصح الغريب فلو طرق هذا الكلام آذان صحيح الإسلام لهيأه لدار المقام .